عناوين بوكس
قراءة ، هشام شمسان:
لعل أول مايلفت القارئ في الديوان المشترك بين الشاعرين، زيد سفيان، وإيمان ناصر - والصادر حديثاً عن منشورات عناوين بوكس، في القاهرة - هو تلك العنونة الشادة الانتباه، والمكونة من لفظ منسوب بصيغة الجمع "بلشونيات"،وهو لفظ، يتميز نحوياً ببنية اسمية، لها طابع وصفي إشاري، لكنه على مستوى الديوان، لاغرو يشكل المعادل الرمزي للعمل، ويُعـدّ علامة دالةً يلخص أبعاد التجربة، على نحو، أو وجه ما.
فهل يتحاور العنوان مع مقاصد النصوص؛ باعتباره المفتاح الدلالي الذي يؤدي وظيفة إيحائية، وتعالقية بين مكونات النصوص..؟
وهل يكشف ظواهر، وبواطن النصوص كمتنٍ ومادة، أم هو مجرد عنوان تحفيزي، وإغرائي؛ بقصد جذب القارئ فحسب؟
قبل الاجتهاد في الإجابة من واقع النصوص التي تضمنتها المجموعة الشعرية، أطرح هذا السؤال المعلوماتي :
ماهو "البلشون"، أو إلامَ يشيرمعنى "البلشون" ؟
"البلشون" طائر مائي، متعدد الألوان فمنه: الأبيض، والأسود، والذهبي، والأزرق، والرمادي،والأخضر، وتصل أنواعه لأكثر من ستين نوعاً، ويعيش في البحيرات والمستقعات( اي في المياه التي لاتجري) ؛ لذلك قد يوصف بـ(ابن الماء).
يشار إلى أن هذا الطائر أطلق عليه وصف " مالك الحزين" قيل: "لطبيعته الحزينة، فهو لايفارق موطنه المائي، حتى تجف عنه المياه، فيبدو شكله حزيناً، منكس الرأس ومطوياً بين أجنحته؛ لأنه لايرغب بمفارقة موطنه؛ فتجبره الضرورة على ذلك."
فما العلاقة الشعرية الرمزية، التعالقية بين هذا الكائن المائي، ومحايثات النصوص، وإنتاجها، وتأويلها؟
هل هناك تطابق، أوشبه تطابق، أو بعض تطابق بينه، بين المضمون المتني ؟
- هل تم اختيار العنوان من رمزية "الحزن:" ( مالك الحزين)
- أم تم انتخاب العنونة من رمزية الألوان التي ذكرت متفرقة في عدد من النصوص : " هو طائر متعدد الألوان.."
- أم أن الرمزية تم استلهامها من رمزية النوع، والتنوع المذكور عن البلشون :" أكثر من ستين نوعاً.. فانعكست تلك الرمزية على :
° التنوع في النصوص.
° التنوع في العددية( الثنائية الشعرية) .
° التنوع الشكلي للإيقاع .
° أم لأن العنونة مرتكزة على رمزية الأصوات التي تصدرها طيور " البلشونات".. ؟
• فإن رجحنا رمزية "الحزن"، ففي الديوان ثيمات كثيرة تشير إليه، وبإحصائيات محددة منها :
الجرح (9مرات)، الدمع (10 مرات)، التعب (9 مرات).القلق (4 مرات)، الاختناق(5 مرات)، الرماد (7 مرات) . الغبار (3 مرات) ، الضجر (مرتان)، الغياب (5 مرات)، الموت (8 مرات)، العطش (3 مرات)، الحلم (7مرات) ، الريح (9 مرات)، الحزن (4 مرات) ،...وغيرها الكثير من التيمات التي تحيل في معانيها إلى الحزن على نحو مباشر ، أو غير مباشر .
• وإن رجحنا رمزية الألوان؛ ففي النصوص عدد من التيمات اللونية ومنها : الأخضر (5 مرات) ، الأبيض (مرة واحدة)، الأسود ( مرتان) ، وهذه أكثر الألوان ميزة لطائر البلشون .
• وإن رجحنا رمزية النوع بتنوع الأشكال الشعرية؛ فالديوان يحفل بنوعين منها: التفعيلي، والنص الحر (قصيدة النثر)، وتحتل قصيدة التفعيلة، المساحة الأ ضيق في هذه المجموعة، مع تداخل إيقاعات خارجية في بعض نصوص القصائد الحرة .. (يُشكّلٓ ذلك عيباً فنياً) .
• وإن رجحنا رمزية النوع، بتنوع التأليف الشعري، فالديوان يتقاسم فضاءه ثنائيان، ملهَمَان، مسكونين بالشعر، ويديران الأحاسيس بلغة تناظرية، مكتنزة بالحركة، وبما يحقق كشوفات انزياحية تتمرد على قراءة التعجل التي لاتستنفد من أول اطلاع قرائي عابر...
• وإن رجحنا رمزية النوع، بتنوع ملهمات الشاعرين، فسنجد بأن النصوص تتحاور مع كثير من الأفكار والموضوعات في مجال رؤيتها، ومشهديتها؛ لإيجاد الاقترانات، والارتباطات المحركة للفضاء التدويني، ومن أهم تلك الملهمات الواقعة في مجال التأويل، والسطح القرائي :
صنعاء، والمرأة، والأم، والأب؛ ناهيك عن مُشَيّئَات كثيرة مثل : العشق، والأمل، والحلم، والخواء، والحزن، والليل، والصمت...وغيره.
ولأن "قصيدة النثر" تلجأ عادة إلى عدم التجلي للأفكار، وتعتمد على الرؤيا والحلم، فلا يمكن لنا تحديد موضوع بعينه في النص الواحد بسبب التراكمية، والإخفاء اللذين يعدان من خصائص هذا النمط الشعري الحديث؛ لذلك تضْحى القصيدة كلها أفكار، ولايُـرى الموضوع المحوري إلا بـرؤيا الذات ..
▦ نستبعد أن تكون رمزية العنوان إشارية إلى أصوات "البلشونات" ،ونسبة لها ؛ بأن تسمَّىٰ المجموعة " بلشونيات" بقصد إيمائي إلى الصوت؛ لأن هذه الطيور تصدر- أكثرها- أصواتاً جُشّة( فيها غلظة، وبَحّـة)، أقرب إلى أصوات الغربان، والدجاج، وعليه سيغلف الرمز بإيحاءً التنافر الجمالي للنصوص، وعدم إيقاعيتها، ولغتها الجُشَّة، الغريبة، وهذا مالا يوافق عليه الشاعران: (إيمان، وزيد)، ولا نؤوله؛ استناداً لمعطيات القراءة، ودلالات المضمون .
---------------
▦ اقتباس (1 )
لو تخلعون عن المقابر
عريها
وحسيس حمحمة التراب
تجدون صنعاء
تقاسم جرحها
وطنًا
على قيد الغياب
في الضفة اليسرى
تنوح رصاصة
وتغوص
في أحداق صنعاء الحراب
(زيد سفيان)
----------
▦ اقتباس (2)
عنّفني المُشط المكسورُ
على خصلات الدمع الساقطِ
من جوف غواية آمالي
وتوارت عنّي مدفئتي (*)
ذات مساء شتويٍّ
فهرعت لأبحث عن إبرة حبٍّ
في كومة جمرٍ
ثمّ تساءلتُ عن الحلْ
فلحافي صار جليديًا
والحلم الأخضر مصفّرٌّ
حتى قمر الشمع تساقطَ
فوق رهاب الليلْ
وبحيرة حبّي مالحةٌ
لا تحويها أيّ حياةْ
( إيمان ناصر)
°°°°°°°°°°°°°°°
(*) مدفأتي.
Comments