عناوين بوكس ..
كتب، هشام شمسان:
لاخلاف على أن القصة القصيرة جدا (ق.ق.ج) جنس أدبي جديد، وحديث جدًا، ظهر في اليمن (على استحياء) في تسعينيات القرن الماضي على هيئة أقاصيص قصيرة، ولكنه لم يتبلور فنياً، ولم تتشكل أركانه، وخصائصه الفنية والشكلية، والمعيارية ( وأتحدث هنا عن اليمن ) إلا قبل عدد قليل من السنوات لا تتجاوز العشر تقريبا.
وبالرغم من أن هذا الجنس، وهذه الكتابات الأدبية الجديدة وجدت معارضة من قبل بعض المتلقين لها، كونه لايتماشى، ولايتماهى مع مقومات وتقنيات السرد القصصي، والروائي التي ألفوها، وتعود عليها ذهن المتلقي عقوداً طويلة، إلا أن هذا النوع استطاع مع الوقت- ومنذ سنوات قلائل في اليمن- أن يفرض وجوده، ويجد له قراء، ومتابعين، ومتذوقين. وظهر من النقاد اليمنيين من يحتفي به، ويصدر أولى الكتب النقدية بشأنه؛ لتأطير معايير، وخصائص هذا الجنس الحديث ، واحتفت وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الفن الأدبي بشكل لافت ومبهر ومدهش .
لكن الملفت- أيضًا- أننا لم نجد حتى الآن- في اليمن- من يكتب هذا النمط القصصي في اليمن بخصائصه وأبعاده الفنية، إلا فيما ندر.
لكننا نستطيع أن نقول بأن الأديب الشاعر، القاص، زيد سفيان هو أحد الكتاب المبدعين الذين استطاعوا أن يتقنوا كتابة هذا الجنس السردي الإيجازي القصير (ق.ق.ج) ببعديه الفني، والموضوعي، بما جعله أحد رواد كتابة القصة القصيرة جدًا في اليمن .
ويعد زيد سفيان أول مبدع يمني- برأيي-يتجه لكتابة هذا الفن عن تجريب، وتثوير، وتغيير؛ ملتزماً (ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ) بمقومات، وخصائص، ومعايير هذا الفن الجديد.. وقد أصدر عدداً من المجموعات القصصية التي تنحو لهذا الفن (ق.ق.ج)، وله في هذا المضمار أكثر من مجموعة.
وفي هذا الإصدار- الذي بين أيدينا- يضم "زيد" جميع ما كتبه في مؤلف واحد أسماه" الأعمال القصصية"
▦ المتأمل في قصص زيد سفيان، سيرى كيف أنه يكتب الـ( ق.ق.ج) بلغة إيحائية، بعيدة عن اللغة الإخبارية السردية، وله القدرة- عبر هذه النصوص- بنقل الأحداث عبر تقنيةالسرعة، والإيجاز، والتكثيف، والمفارقة التصويرية، وعدم الوقوع في بؤرة التفاصيل، وسردية الوصف الحشوي.
ويعتمد "زيد" في جميع نصوصه على خاصية الاقتصاد؛ بحيث نقرأ قصصاً شديدة الامتلاء، صغيرة بحجمها، كبيرة بأحداثها، وتأتي النهايات محفزة، وصادمة، وغير متوقعة: تثير الدهشة، والإعجاب، والذهول بفعل اتكائه على عنصر المباغتة في كثير من قفلات نصوصه.
▦ يستمد زيد سفيان أحداث قصصه من مواقف ملتقطة حياتياً، فيبني عليها أحداثاً سردية، ثم يقوم بتوظيفها فنياً. كما تُستمد - بوجه عام- من مظاهر النشاط الإنساني المحكي، وما يثير الانتباه. وتنفتح رؤيته الانفعالية الخاصة على كثير من محددات الواقع من حولنا. وفي شخصياته القصصية نجد رصداً للمشاعر الإنسانية، وتحليل للشخصيات المحورية بكل أبعادها الانفعالية، والتصويرية .
▦لنعاين هذه النماذج :
▢ ( تحنيط)
إبّان عودتي مظفّرًا اسـتقبلوني بالأهازيج. زخرفوا صدري بالأوسمة. رفعوا صورتـي فـي الميدان. انطفأت مصابيح الزّينة. تلعثم المدى. قبعتُ أسيرًا في الظّلمة.
▢ (جدران)
ألقـي بي في زنزانة.. تذكّرتُ نزيلًا قبلي غافل السّـجان ورسـم شمسًا ونافذة.. تسـلّلتُ منها. وجدتُ نفسي في وكرٍ كبيـرٍ ممتلئٍ بمخلوقاتٍ عارية. عدتُ إلى سجني الصّغير، ورسمتُ ظلًّا ومشنقة.
▢ (فاجعة)
سألتُ: أين اختفى وبقيّة الفرسان؟ طأطأ البحر أمواجه.
▢ (صقيع)
أخبرها الطّبيب بأنّ العناق يعالج القصور العاطفي. وقفَت في الطّريق، تستفتح رحلة العلاج بمعانقة كلب؛ نبح المارّة.
▢ (مفاقمة)
خلا لها الجو، انفردَت بها، قضمَت النملةُ أطرافها؛ مضَت حبّةُ القمح تشتكيها، وجدتِ القاضي دجاجة.
.............
نلحظ في نحو هذه النصوص المقروءة جميع بنائيات القصة القصيرة جداً:
- كميًا (بقصر الحجم) .
-فنياً (بوجود جميع مقومات السرد الأساسية التي تتعلق بـالـ(ق.ق.ج) .
- تداولياً (بإيصال رسائل مشفرة انتقادية، ساخرة ) .
- دلاليًا (بالتميز بالدهشة، والإغراب، والصدمة نهاية القفلة ..) .
▦ يضم مُؤَلَّف "الأعمال القصصية" لـ(زيد سفيان) أكثر من( 700 ) نص قصصي تقع كلها في نطاق الـ(ق.ق.ج)، وصدر حديثاً عن دار (عناوين بوكس) في القاهرة، طبعة أولى، ويتألف من (188) صفحة، ( قطع متوسط).
○○○○○○
Comments